
السيد عثمان المرندي
حفظ السيد عثمان القرآن الكريم كاملا في سن السابعة وبعدما أنهى دراسته غادر مدينته إلى بغداد حيث التقى بالشيخ ابراهيم الكربلائي القادري حيث صار له مريداً، وكان الشيخ ابراهيم من أتباع حضرة الشيخ جمال المجرد. ويروى أنه خلال رحلته من تبرير إلى بغداد، التقى بحضرة القطب شاه شمس الدين التبريزي ومريده الكبير مولانا جلال الدين محمد البلخي الرومي صاحب الطريقة المولوية المعروفة في تركيا ونهل من علومهما وأخبارهما وأخذ من تراثهما ووعظهما ثم ودعهما ماضياً في طريقه إلى بغداد. بعد ذلك صار السيد عثمان خليفة للشيخ ابراهيم الكربلائي وورث منه فص خاتم معظم كان الشيخ ابراهيم ورثه من آبائه من الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه، ولا يزال هذا الفص معلقاً إلى اليوم بضريح السيد عثمان قلندر. وبناء على تعليمات شيخه ومرشده، فقد غادر السيد عثمان بغداد متوجها إلى اقليم السند ماراً باقليم خراسان حيث اختلى لأربعين ليلة في ضريح السلطان علي بن موسى الشهير بالرضا من آل محمد المدفون بأرض طوس وأنعم الله عليه بسيل من المكاشفات ونظر إلى عالم الملكوت وتكرم بلقاء أولياء الله عياناً وحقيقة ونال من بركاتهم الكثير. ثم بعد ذلك عبر إلى اقليم سجستان وبلوشستان ووصل بعدها إلى اقليم السند والبنجاب وكانت عاصمتها ملتان حيث التقى فيها بالشيخ القطب بهاء الدين زكريا الملتاني السهروردي، والشيخ بابا فريد كنج شكر الجشتي، والشيخ خواجة جلال الدين مخدوم البخاري النقشبندي وكونوا معاً ما يسمى عند المتصوفين من أهل السند والهند بحلقة الأحباء الأربعة، وصاروا يجوبون أرض السند والهند طلباً للعلم وللرياضات الروحانية والخلوات الربانية وملاقاة أولياء الله والتفكر في عالم الملكوت.
كان السيد عثمان متأثراً بطريقة الشاه شرف الدين المعروف بأبوعلي قلندر ساكن بانيبات بالهند في السير والسلوك إلى الله تعالى، فأخذ على عاتقه أن يكون القلندر (السائح) الثاني، فعاش مختلطاً بين الفقراء والمساكين ولم ير مع غني قط ولم يقف على باب حكام زمانه. روي من كراماته أنه دعا الله عزوجل عندما قبض على صاحبه الشيخ فريد الجشتي بفرية خباز عليه أنه اجترأ على زوجته، فاستجيب لدعائه وتحول إلى صقر وأنقذ صاحبه وهو على منصة الشنق وحمله بعيداً. ومما يروى عنه أنه لما سأل فقراء المتصوفة في مدينة سيهوان أن يقبلوه معهم، كان جوابهم أن أرسلوا له إناء مملوءاً باللبن حتى آخر اشارة منهم أنه لا يوجد متسع لأحد، فرد عليهم الإناء المملوء نفسه ووجعل فوقها وردة طافية فأعجبوا بجوابه، وتذكر كتب التصوف والعرفان الفارسية والسندية غير هذا كثيراً من القصص والروايات حول كرامات الشيخ. كانت روحانية السيد عثمان قلندر الصافية النقية مع أحبائه الثلاثة مصدر جذب لغير المسلمين حتى أن أغلب قبائل السند والبنجاب ما دخلت الإسلام إلا على أيديهم. وضريح القلندر اليوم في مدينة سيهوان الشريف الواقعة بالقرب من مدينة كراتشي بباكستان أمسى مزاراً ليس فقط للمسلمين على مختلف طوائفهم بل وحتى للسيخ والمجوس والهندوس الذين يعتقدون أنه أحد قديسيهم قد عاد إلى الحياة في جسد هذا العابد المسلم وذلك لما رأوه من تسامح الشيخ في حياته مع جميع عباد الله ولما رأوا له من كرامات من بعد وفاته التي كانت في الثامن عشر من شعبان، وكان يبلغ من العمر 97 عاماً قضاها في الإنقطاع لعبادة الله والتأمل والتفكر وخدمة الفقراء والمساكين، وتاركاً إرثاً من المدائح النبوية ولآل بيت النبي، ومؤلفات في الفكر واللغة والعرفان .