
الحكمة من النوم في المنظور الصوفي


يقول الغوث الأعظم السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره : « المنام الصادق : هو وحي من الله عز وجل »([2]) .
ويقول الشيخ السهروردي : « النوم : هو انحباس الروح عن الظاهر في الباطن »([3]) .
وفي سبب إيجاد النوم يقول الشيخ البروسوي : « قال بعضهم : خلق الله الأرواح على اللطافة والأجساد على الكثافة ، فلما أمرت بالتعلق بالأجساد انقبضت من الاحتجاب بها ، فجعل الله النوم والانسلاخ سببا لسيرها في عالم الملكوت حتى يتجدد لها المشاهدة وتزيد الرغبة في قرب المولى . وإنما يستريح العبد ويجد اللذة في النوم , لأنه في يد الله ، وهو أرحم الراحمين ، ويضطرب ويجد الألم في الموت , لأنه في يد ملك الموت ، وهو أشد الخلائق أجمعين »([4]) .
وفي الحكمة من النوم يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي : « الحكمة في النوم : أن الروح القدسي أو اللطيفة الربانية أو النفس الناطقة غريبة جدا في هذا الجسم السفلي ، مشغولة بإصلاحه وجلب منافعه ودفع مضاره ، محبوسة فيه ما دام المرء يقضان ، فإذا نام ذهب إلى مكانه الأصلي ومعدنه الذاتي ، فيستريح بواسطة لقاء الأرواح ومعرفة المعاني والغيوب مما يتلقى في حين ذهابه إلى عالم الملكوت من المعاني التي يراها بالأمثلة في عالم الشهادة ، وهو السر في تعبير الرؤيا ، فإذا هجر النوم والاستراحة ، ذابت عليه أجزاء الأركان الأربعة من الترابية والمائية والنارية والهوائية ، فيعرى القلب حينئذ عن الحجب ، فينظر إلى عالم الملكوت بعين قلبه ، فيشتاق إلى ربه ، وربما يرى المقصود في نومه »([5]) .
وفي أقسام النوم يقول الدكتور عبد المنعم الحفني : « النوم أقسام : نوم غفلة ، ونوم عادة »([6]) .
وفي حقيقة النوم يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « حقيقة النوم : برزخ بين الموت والحياة ، والنائم لا حي ولا ميت ، فله وجه للموت ووجه للحياة ، فهو أخ الموت من وجه واحد لا من الوجهين ، قال الله تعالى :


ويقول الشيخ البروسوي : « حقيقة النوم : سد حواس الظاهر لفتح حواس القلب »([9]) .
ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي : يقول : « حقيقة النوم : هو فتور في الأعضاء والأعصاب ، بسبب بخار يصعد إلى الدماغ يتعطل به جريان الروح في آلات الإدراك ، فتتجمع جميع القوى الروحانية في القلب ، فتنكشف له جميع المعلومات المرسومة في اللوح المحفوظ ، فإذا قابلت شيئاً من ذلك أدركته بحسب تعلقها بمقتضيات الطبيعة الحائلة بينها وبين اللوح المحفوظ حيلولة رفيعة تشف ما وراءها »([10]) .
وفي خروج الروح أثناء النوم يقول الشيخ البروسوي : « يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد ، فبذلك يرى الرؤيا ، فإذا انتبه من النوم عادت الروح إلى الجسد بأسرع من لحظة ، يعني : أن الذي يرى الرؤيا هو الروح الإنساني ، وإنه يرى في عالم البرزخ ما صدر عن الروح الحيواني من القبيح والحسن ، وهو ظل الروح الإنساني . والتعبير بالحيواني والإنساني اصطلاح الحكماء ، وأما أهل السلوك فيعبرون عنها : بالروح »([11]) .
وفي نسبية النوم في الحالات والعوالم يقول الشيخ عبد القادر الجزائري : « لا يرفع الحجاب بالكلية وتقع اليقظة التامة إلا بعد رؤية الحق تعالى في الكثيب , لأن الناس في الدنيا نيام بالنسبة إلى اليقظة الحاصلة بعد الموت في البرزخ .
وهم نيام في البرزخ بالنسبة إلى اليقظة الحاصلة في البعث والحساب .
وهم في الحساب نيام بالنسبة إلى اليقظة الحاصلة في الجنة .
وهم نيام بعد دخول الجنة بالنسبة إلى اليقظة الحاصلة عند رؤية الحق تعالى الرؤية الحاصلة في الكثيب »([12]) .
وفي مقامات المنام يقول الشيخ الأكبر ابن عربي : « المنامات على أربعة مقامات : منام في الأنفاس ، ومنام في الحواس ، ومنام في الوسواس ، ومنام في اللباس »([13]) .
وفي النوم الذي لا يعول عليه يقول الشيخ ابن عربي : « النوم إذا لم يعط بشرى ، لا يعول عليه »([14]) . ويقول : « النوم إذا لم يصحبه الوحي ، لا يعول عليه »([15]) .
وفي الفرق بين نوم المتعبدين ونوم الغافلين يقول الإمام جعفر الصادق عز وجل : « نم نوم المتعبدين ولا تنم نوم الغافلين ، فإن المتعبدين من الأكياس ينامون استراحة ، ولا ينامون استبطاراً ... وإن النوم أخ الموت ، واستدل به على الموت الذي لا تجد السبيل إلى الانتباه منه ، والرجوع إلى إصلاح ما فات عنك . ومن نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فاته بسببها شيء ، فذلك نوم الغافلين وسيرة الخاسرين وصاحبه مغبون . ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسنن والواجبات من الحقوق ، فذلك نوم محمود . وإني لا أعلم لأهل زماننا هذا شيئاً إذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النوم , لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم وأخذوا شمال الطريق »([16]) .
وفي الفرق بين نوم أهل الغفلة وأهل الاجتهاد يقول الإمام القشيري : « النوم لأهل الغفلة عقوبة ، ولأهل الاجتهاد رحمة ، فإن الحق سبحانه وتعالى يدخل عليهم النوم ضرورة ، رحمة منه بنفوسهم ليستريحوا من كد المجاهدة »([17]) .
وفي التفسير الصوفي : في تأويل قوله تعالى :


يقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « غفلتكم راحة واستراحة ، باستيفاء اللذات واستقصاء الشهوات »([19]) .
ومن مكاشفات الصوفية : يقول الشيخ أبو بكر الشبلي قدس الله سره : « اطلع الحق علي فقال : من نام غفل ، ومن غفل حجب »([20]) .
ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني قدس سره : « قال لي الحق تعالى : نم عندي لا كنوم العوام ترني ، فقلت : كيف أنام عندك ؟ قال : بخمود الجسم عن اللذات . وخمود النفس عن الشهوات . وخمود القلب عن الخطرات . وخمود الروح عن اللحظات . في فناء ذاتك بالذات »([21]) .
يقول الشيخ ابن عربي : « ما جعل الله النوم في العالم الحيواني إلا لمشاهدة حضرة الخيال في العموم ، فيعلم أن ثم عالماً آخر يشبه العالم الحسي . ونبهه بسرعة استحالة تلك الصور الخيالية للنائمين من العقلاء . على أن في العالم الحسي والكون الثابت استحالات مع الأنفاس ، لكن لا تدركها الأبصار ولا الحواس إلا في الكلام خاصة وفي الحركات »([22]) .
ويقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : « فإذا عرفت أن كل عالم محكوم عليهم بالنوم ، فاحكم على تلك العوالم جميعها أنها خيال , لأن النوم : عالم الخيال »([23]) .
ويقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي : « قيل : إن كنت حاضراً فلا تنم , لأن النوم في الحضرة سوء أدب . وإن كنت غائباً فأنت من أهل الخسر »([24]) .
ويقول الشيخ الأكبر في النومة : هو أن يتجلى المذكور لك فيفنيك عن الذكر به ([25]) .
وسبيل التفرقة بين المشاهدة والنومة : أن المشاهدة تترك في المتجلى شاهدها فتقع اللذة عقبها والنومة لا تترك شيئاً ، فيقع التيقظ والاستغفار والندم »([26]) .
_____________________________
الهوامش -
[1] – البقرة : 255 .
[2] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 257 0
[3] – الشيخ شهاب الدين السهروردي – اللمحات في الحقائق – ص 219 .
[4] – الشيخ اسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 8 ص 115 .
[5] – المصدر نفسه – ج 6 ص 222 – 223 .
[6] – د . عبد المنعم الحفني – معجم مصطلحات الصوفية – ص 258 .
[7] – النبأ : 9 .
[8] – الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الموازين الذرية المبينة لعقائد الفرق العلية – ص 61 .
[9] – الشيخ اسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 6 ص 222 – 223 .
[10] – الشيخ عبد الغني النابلسي – أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 207 .
[11] – الشيخ اسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 3 ص 44 .
[12] – الشيخ عبد القادر الجزائري – المواقف في التصوف والوعظ والإرشاد – ج 1 ص 111 .
[13] – الشيخ ابن عربي – مخطوطة مراتب القرة في عيون القدرة – ورقة 53 ب .
[14] – الشيخ ابن عربي – رسالة لا يعول عليه – ص 11 .
[15] – المصدر نفسه – ص 17 .
[16]– عادل خير الدين – العالم الفكري للإمام جعفر الصادق – ص 217 – 218 .
[17] – الإمام القشيري – تفسير لطائف الاشارات – ج 4 ص 311 .
[18] – النبأ : 9 .
[19] – الشيخ اسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 10 ص 296 .
[20] – د . عبد المنعم الحفني – معجم مصطلحات الصوفية – ص 258 .
[21] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفيوضات الربانية – ص 7 .
[22] – الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ج 3 ص 198 .
[23] – الشيخ عبد الكريم الجيلي – الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل – ج 2 ص 26 .
[24] – الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي – جامع الأصول في الأولياء – ج 2 ص 170 .
[25] – الشيخ ابن عربي – الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار – ص 21 ( بتصرف ) .
[26] – المصدر نفسه – ص 21 .