البحر عند خواص المؤمنين
وفي السنة النبوية الشريفة ورد عن فضل التكبير على ساحل البحر حيث يقول قرة بن إياس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كبر تكبيرة على ساحل البحر عند غروب الشمس رافعاً صوته أعطاه الله من الأجر بعدد كل قطرة في البحر عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ما بين الدرجتين مسيرة مائة عام بالفرس المسرع ) رواه الطبراني (2) .
ويقول الشيخ الأكبر ابن عربي عن البحر : « هو الدرة التي نظر الله تعالى إليها في مرتبة علمه وظهر في مائها وجهه تعالى وسماها بحراً في العلم ، لأنه وسعها حتى اتسعت لربها » (3) .
ويقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « البحر : هو القرآن العظيم لمن فهم القرآن ما هو ، فهو العميق الذي لا يدرك لمعانيه قرار ، ولولا أن الغاطس فيه يقصد المواضع القريبة من الساحل ما خرج للخلق أبداً »(4) .
والبحور كما يقول عنها الشيخ أبو العباس التجاني : « هي كناية عن قلوب أكابر العارفين »(5) .
والدكتور يوسف زيدان يقول عن البحار : « يراد بها خوض غمار طريق المحبة » .
وأضاف الدكتور قائلاً : « وذلك فيما يخص الأقطاب الواصلين . أما مطلق السالكين ، فالبحار في حقهم تعنى المجاهدة والرياضة ، ومن هنا ورد في الغوثية : المجاهدة بحر المشاهدة ، فمن أراد المشاهدة فعليه بالمجاهدة »(6) .
وترى الدكتورة سعاد الحكيم : إن بحث مصطلح ( البحر ) عند ابن عربي يجر إلى جملة مصطلحات جانبية متعلقة به مثل : بحر البهت ، بحر التلف ، بحر الهباء ، بحر الأرواح ، بحر الخطاب ، بحر الشكر ، بحر الحب ، البحر الواحد المحيط ، بحر البداية ، بحر القرآن ، بحر ذات الذات ، بحر الأزل ، بحر الأبد ، البحر الأجاج ، بحر الحقيقة ، البحر اللدني ، بحار أرض الحقيقة ... وتعقب بأنه من الصعب إحصاء جملة المصطلحات التي يضيف إليها ابن عربي مفردة ( بحر ) ، ولكنها مع هذا خلصت إلى أربعة معان ترى أنه يمكن اعتبارها قاعدة عامة يمكن تطبيقها على نصوص الشيخ الأكبر لمعرفة المراد بكل مصطلح . وتلك المعاني هي :
أولاً : البحر اسم لقطب غيبي شاهده الشيخ في حضرة برزخية ، يقول الشيخ : « أما أقطاب الأمم المكملين ، في غير هذه الأمة ممن تقدمنا بالزمان ، فجماعة ذكرت لي أسماؤهم باللسان العربي ، لما أشهدتهم ورأيتهم في حضرة برزخية ... فكان منهم ... الواسع ، والبحر » .
ثانياً : ( البحر ) هو ما يقابل ( البر ) للدلالة على الباطن و المعنوي في مقابل الظاهر والبدني ، يقول ابن عربي : « قال تعالى :




ثالثاً : يستعير ابن عربي أحياناً من البحر صفته : الاتساع والشمول والإحاطة ... ليضيفها إلى مصطلح ( البهت ) أو ( الهباء ) مثلاً ، ليبرز بذلك خروج هذا المصطلح من ذاتيته وماهيته إلى علاقة بالإنسان ... علاقة عرفانية أو سلوكية في أغلب الأحيان ، تضع الإنسان في مواجهة مضمون المصطلح ، يقول ابن عربي : « إن الميل إلى الجانب الأيمن يرمي بسالكه في بحر البهت والسكون ، فيخسر عمره فتنتقص مرتبته عن مرتبة غيره ... والميل أيضاً إلى الجانب الأيسر يلقيه في بحر التلف وهلاك الأبد » .
رابعاً : ( البحر ) من الرموز العرفانية التي تتمتع بدلالات موحية ، استطاع ابن عربي أن يستغلها في بنيانه الفكري ، فترد بحر عنده على الأغلب في سياق نص عرفاني علمي لتتضمن مفهوم ( العلوم والأسرار ) ، يقول ابن عربي : « إن البحر عبارة عن العلم »(7) .
وفي تأويل قوله تعالى :


أما تأويل قوله تعالى :




وفي تأويل قوله تعالى :


وتأويل قوله تعالى :


أما مجمع البحرين فتأويله عند الشيخ نجم الدين الكبرى : « هو الولاية بين الطالب وبين الشيخ ، ولم يظفر المريد بصحبة الشيخ ما لم يصل إلى مجمع ولايته ... وعند مجمع الولاية عين الحياة الحقيقية ، فبأول قطرة من تلك العين تقع على حوت قلب المريد يحيي ويتخذ سبيله في البحر عن الولاية سرباً »(12) .
وقول الشيخ عبد الغني النابلسي عن مجمع البحرين هو : « الإشارة بمجمع البحرين الذي كان اجتماعهما فيه : يقتضي أنه اجتمع بحر العلوم الظاهرية وبحر العلوم الباطنية ، وهما موسى والخضر ، ثم افترقا بسبب إقامة الجدار بينهما »(13) .
أما بحر الطريقة ، ففي اصطلاح الطريقة الكسنزانية : هو أستاذ الطريقة ، لأنه مصدر إفاضة أمدادها ، أي : قوتها الروحية من الحقيقة المحمدية .. وبحر العلوم : هو العلم المطلق ، وهو علم التصوف ، لأن مصدره ووسيلته وغايته الحق - سبحانه وتعالى – (14) .
وأما بحر القلب فيصفه الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني ، ويقول : إن المراد ببحر القلب هو العلوم والأسرار والحكم الإلهية التي لا يمكن لأحد حصرها ، وقد أشار الغوث الأعظم إلى ذلك بقوله : « غواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف ، فيستخرجها إلى ساحل الصدر ، فينادي عليها سمسار ترجمان اللسان فتشترى بنفائس أثمان حسن الطاعة :


ويقول الشيخ أبو بكر الشبلي (قدس الله سره) : « أنتم أوقاتكم مقطوعة ووقتي ليس له طرفان وبحري بلا شاطئ » فيعلّق الشيخ الطوسي على النص قائلاً : « يعني بذلك أن الحال الذي خصني الله تعالى به من التعظيم لله وخالص الذكر له والانقطاع إليه لا نهاية لها ولا انقطاع ، والشيء إذا لم تكن له نهاية ولا غاية فلا يعبر عنه بأكثر من ذلك »(16) .
وكذلك يعلق الدكتور حسن الشرقاوي على عبارة (بحر بلا شاطئ) فيقول : يعني عند الصوفية أن الصوفي قريب من الله ، يمده بعلمه الإلهامي الذي لا نهاية له ، فالصوفي يستقي نبعه من علم الله الذي لا ينفذ ، ومن أسرار الله التي لا تنقطع ، ومن وجود الله الذي لا يتوقف ، ومن نور الله الذي لا ينضب ، ولذا يقول الصوفي : ( بحري بلا شاطئ ) (17) .
ــــ المصدر:مكتب الارشاد والمتابعة