
فكر محيي الدين بن عربي علي طاولة حوار
(ابن عربي) من أبرز اعلام الصوفية، ولا تزال أفكار وآراء هذا المفكر الاسلامي تشغل بال الباحثين والدارسين، لما فيها من فلسفة وحكمة انسانية، تهذب النفس وترقي بالعلاقات الانسانية إلي مراتب عالية، تصل إلي درجة السمو، بهذا تعد أفكار ابن عربي بمثابة مدرسة نظمت شكل العلاقة بين الناس، وبين عـظمة الانسان الروحية.
قراءة في فكر الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي كانت عنوان الندوة التي اقيمت في المركز الثقافي العربي بدمشق، وشارك فيها الباحث الدكتور عبد الكريم اليافي، والباحث الدكتور ندرة اليازجي، حيث تناول كل منهما هذا المفكر الاسلامي من زوايته الخاصة، وحاولا من خلال قراءتهما أن يكشفا عن رقة وعذوبة الانسان في فكر هذا الشيخ، وعن المكانة التي احتلها في كتبه.
ولد الشيخ ابن عربي سنة 560 هجرية 1165 ميلادية في مدينة مرسية علي الساحل الشرقي في الاندلس، وتوفي في دمشق عن عمر يناهز الثمانين، واللافت بحق أن ضريحه غدا مزاراً لا بوصفه مفكراً، بل بوصفه ولياً ذا كرامات، يُتوسل به في نقل احتياجات العامة إلي البارئ العظيم، والانسان في فكر ابن عربي غاية بحد ذاته.
وتحدث الباحث الدكتور عبد الكريم اليافي في بداية كلامه عن صفات ابن عربي التي جعلت منه انسانياً نبيلاً في اخلاقه ونفسه، واشار إلي ولادته في مرسية بالاندلس، والتي تلقي فيها علومه الاولي، ثم رحيله إلي المغرب، وجولته التي قام بها بين المشرق والمغرب، إلي أن طاب له الاقامة في المضاف بدمشق حيث استقر فيها حتي وفاته.
ورأي الباحث اليافي في طواف ابن عربي/ راحلاً كالمقيم، ومقيماً كالراحل/ ومثله بذلك كالبحر تراه متحركاً وهو ساكن، وتحسبه ساكناً وفيه تيارات دائمة.
وأشار اليافي إلي أن ابن عربي كتب أكثر من ثلاثمائة كتاب ورسالة منها ما هو صغير لا يتجاوز عشرات الصفحات، ومنها ما هو واسع مستفيض يزيد علي آلاف من الأوراق، ومن أشهر مؤلفاته وأهمها الفتوحات المكية بدأها في مكة وأكمله في دمشق، وهو موسوعة صوفية قل مثيلها في جميع اللغات.
واعتبر اليافي ابن عربي علماً من أعلام الفكر الانساني قاطبة، بسبب اتساع فلسفته الصوفية، وجرأته في بعض الاعتبارات الفكرية، وتأويله لبعض الآثار الدينية، ولقي بعض رموزه مقاومة ومناوءة كبيرتين من قبل العلماء السلفيين الذين كانوا حراساً علي الشريعة الاسلامية وصفائها.
وتناول الباحث اليافي بعض آراء ابن عربي معتبراً أن من أبرز آراء ابن عربي اشادته بعظمة الانسان، واعلاؤه مكانه في الكون، وتنويهه بأهمية الدنيا، وتعظيمه لشأن هذه الحياة التي نحياها، وكذلك تأكيده علي أهمية الحواس وقدرة العقل لدي الانسان، وذلك علي خلاف ما يتصوره الناس عن التصوف والمتصوفة، والانسان أكمل المخلوقات وأعلاها في الكون، وهو خليفة الله في الأرض.
ومن جهته الباحث ندرة اليازجي رأي بأن ابن عربي يشمل الانسانية بأكملها، لأنه يري الانسانية كلها بداخله، فيحبها، لأن دينه أصبح دين الحب، وهذه الشمولية العظيمة موجودة في فكر هذا الشيخ الصوفي.
واعتبر اليازجي ان الانسان كائن عظيم، ليس كائناً أرضياً فقط، بل هو كائن كوني والهي أيضاً بمفهوم التجلي، وعندما يتحدث ابن عربي عن الحب يقول: الحب بقدر التجلي والتجلي بقدر المعرفة ، وبذلك استطاع ان يقيم توازناً وانسجاماً كبيراً بين العقل بوصفه الاداة الاساسية للمعرفة، وبين الايمان الذي هو القاعدة الاساسية، أو التوق العظيم للفناء أو لفناء الفناء أو ابطال ابطال العقل عندما نبلغ المستوي الأعلي لهذه المعرفة التي تؤدي بنا إلي ما هو أعظم.. وعندما يتحدث ان عربي عن شجرة الكون، فهو يتحدث عن شجرة الحياة، والتي شكلت من حبة كن وهذه الشجرة الممتدة تتأمل الانسان بجذره ممتد في هذه الأرض وبرأسه ممتد إلي ما لا نهاية، وعندما يتحدث عن المادة يري فيها الحياة، فالكون بنظر ابن عربي حي ينبض بالحياة، وهذه الحياة هي التي يؤدي به إلي مزيد من المعرفة.
واشار اليازجي إلي انه اثناء تعمقه في فكر ابن عربي وجد بأنه بقدر ما يشدد علي الايمان يشدد علي المعرفة، لأن العقل هو سيد الوجود الأرضي، فاذا ما استغرق في غيوبة عمقية وتجلت له الحقائق، عليه اذا ما عاد إلي حالة اليقظة أن يعرف كيف يعبر عن تلك الحقيقة التي استغرقها.
وفرق اليازجي بين الانسان عند جان بول سارتر، وبين الانسان عند ابن عربي قال: ان الوجوديين يعتقدون بأن الماهية لا تسبق الوجود، الماهية تأتي بعد الوجود، أما ابن عربي، فهو يؤمن بالماهية، وكلمة الماهية تعني الجوهر أو الثقافة الكامنة بالانسان، وابن عربي يشدد كثيراً علي الطاقة الكامنة، الكمون الموجود في الانسان، ووجوده نتاج لهذه الماهية، وفكره نتاج لهذه الماهية، بينما الوجوديون يقلبون الموضوع رأساً علي عقب، الوجود يسبق الماهية.
وأثارت هذه الندوة عدة تساؤلات من قبل جمهور الصالة، واستطاعت أن تسلط الضوء علي بعض الجوانب الانسانية المهمة في فكر ابن عربي التي هي بحق تدل علي غني المعرفة لدي هذا المفكر الاسلامي.