الأحد، 25 ديسمبر 2011

مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس سره)

مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس سره)

مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس سره)

مولده الشريف قدس الله سره
سئل الشيخ عبد القادر الجيلاني عن مولده فقال: لا أعلمه حقيقة، ولكن قدمت بغداد في السنة التي مات فيها التميمي، وعمري إذ ذاك ثمانية عشر سنة، والتميمي هذا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرف بن أسد، توفي سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة هجرية، فيكون مولده رضي الله عنه، على هذا البيان، سنة سبعين وأربعمائة، وذكر الشيخ نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي في كتابه بهجة الأسرار، قال أخبرنا الفقيه أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الواسع بن أمير كاه بن شافع الجيلي الحنبلي قال أخبرنا جدي عبد الواسع قال ذكر أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي الحنبلي رحمه الله تعالى: أن مولد الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه) سنة إحدى وسبعين وأربعمائة بجيلان وأنه دخل بغداد سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة، وعمره ثمانية عشر سنة، وهو رضي الله عنه منسوب إلى جِيل بكسر الجيم وسكون الباء وهي بلاد متفرقة وراء قبرستان، وبها وُلـِد في نيف قصبة منها، ويقال فيها أيضاً جيلان وكيلان وكيل أيضاً قرية بشاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط، ويقال أيضاً جيل بالجيم ومن ثـَمَّ يقال كيل العجم وكيل العراق وجيل العجم وجيل العراق. وفي رواية أيضاً جيلاني، منسوب إلى جده جيلان وأبو عبد الله الصومعي من جملة مشايخ جيلان ورؤساء زهاده، له الأحوال السنية والكرامات الجلية.
وروى صاحب بهجة الأسرار: قال أخبرنا عنه الفقيه أبو سعد عبد الله بن علي بن أحمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرنا الشيخ الجليل أحمد بن إسحاق بن عبد الرحمن الهاشمي القزويني قال: أخبرنا الشيخ القدوة نور الدين أبو عبد الله محمد الجيلي قال: أخبرنا الشيخ العارف أبو محمد الدار باني القزويني قال: الشيخ أبو عبد الله الصومعي هو أحد ما أدركت بالعجم من المشايخ، وكان مجاب الدعـوة، وإذا غضب انتقم الله عز وجل له سريعاً، وإذا حبَّ أمراً فعله الله له كما يختاره، وكان مع ضعف قوته وكبر سنه كثير النوافل دائم الذكر ظاهر الخشوع صابراً على حفظ حاله ومراعاة أوقاته. وحكى لنا بعض أصحابنا أنهم خرجوا تجاراً فخرجت عليهم خيل في صحراء سمرقند، قال فصحنا بالشيخ أبي عبد الله الصومعي فإذا هو قائم بيننا ونادى سبوح قدوس ربنا الله تفرقي يا خيل الله قال فوالله ما كان الراكب يقدر على رد فرسه وفرَّت بهم في رؤوس الجبال وبطون الأودية ولم يجتمع منهم اثنان وسلمنا الله منهم، وطلبنا الشيخ بيننا فلم نره ولم ندري أين ذهب. ولما رجعنا إلى جيلان وأخبرنا الناس بذلك، قالوا والله ما غاب الشيخ عنا.
وأمه أم الخير أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي المذكور آنفا. وكان لها حظ وافر في الخير والصلاح.
قال صاحب بهجة الأسرار: أخبرنا عنها الفقيه أبو علي إسحاق بن علي بن عبد الله الهمداني الصوفي، قال: أخبرنا الشيخ الأصيل أبو عبد الله محمد بن عبد اللطيف بن الشيخ القدوة أبي النجيب عبد القادر السهروردي قال: أخبرنا الشيخ أبو خليل أحمد بن أسعد بن وهب بن علي المقري البغدادي ثم الهروي قال: أخبرنا الزوجان الصالحان الإمام الورع أبو سعد عبد الله بن سليمان بن جعران الهاشمي الجيلي وأم أحمد الجيلية بها قالا: كان لأم الخير أمة الجبار فاطمة بنت عبد الله الصومعي أم الشيخ عبد القادر (رضي الله عنه)، قدم في هذا الأمر وسمعنا تقول غير مرة: لما وضعت إبني عبد القادر كان لا يرضع ثديي في نهار رمضان، وغمَّ على الناس هلال رمضان، فأتوني وسألوني عنه فقلت لم يلتقم اليوم ثديا، ثم اتضح أن ذلك اليوم كان من رمضان. واشتهر ببلادنا في ذلك الوقت أنه وُلِـد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان.
وكان له أخاً اسمه عبد الله، سنه دون سن الشيخ ونشأ نشأة صالحة في العلم والخير ومات بجيلان شاباً.
أما وصفه قدس الله سرهكما أخبر به قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الإمام عماد الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي قال : أخبرنا شيخنا الإمام العادل الرباني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قال : كان شيخنا شيخ الإسلام محي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلي نحيف البدن ربع القامة عريض الصدر عريض اللحية طويلها أسمر اللون مقرون الحواجب أدعج العينين ذا صوت جهوري وسمت بهي وقدر علي وعلم وفي رضي الله عنه وأرضاه.
نسبه الشريف قدس الله سره
هو شيخ الإسلام تاج العرفين محي الدين أبو محمد السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني ابن ابي صالح موسى بن عبد الله الجيلي بن يحى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي القريشي.
نشأته قدس الله سره
ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني في مدينة صغيرة اسمها نيف، وقيل بشتير، في إقليم جيلان الذي يقع في القسم الشمالي من إيران جنوبي بحر قزوين، وهو إقليم خصب التربة كثير الأنهار غزير الأمطار، وعاش في كنف جده لأمه السيد عبد الله الصومعي، فكان ينسب إليه عندما كان في جيلان، فيقال ابن الصومعي، وكان له أخاً واحداً، كذا ذكره ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب). إن أخاه كان اسمه عبد الله وكان أصغر منه وكان رجلاً صالحاً، عاش في جيلان وتوفي فيها وهو شاب، فنشأ قدس الله سره عابداً صالحاً تقياً زاهداً في الدنيا مقبلا على الآخرة طموحاً إلى معرفة أصول الشريعة وفروعها ومداخلها ومخارجها، ولم يكن في بلاد جيلان ما يرضي طوحه ويروي ظمأه من علوم الشريعة، لذلك أخذت تحدثه نفسه بالسفر إلى بغداد حاضرة الدنيا في ذلك الزمان وكان أهل جيلان يدينون بالمذهب الحنبلي في ذلك العهد بعد النصر العظيم الذي نالته السنة المطهرة على يد حاميها ورافع لوائها الإمام أحمد بن حنبل  مما جعل ذكره يسير في البلاد ويتغلغل في قلوب العباد.
وكانت بغداد مثوى الإمام أحمد بن حنبل أيضاً حبيب أهل جيلان وهذا مما زاد.
شيوخه وأساتذتهقدس الله سره 
سمع الحديث قدس الله سره من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وابي بكر أحمد بن المظفر، وأبي القاسم علي بن بيان الرذاذ، وأبي محمـد جعفر بن أحمد السراج مؤلف كتاب مصارع العشاق توفي سنة خمسمائة وتسعة، وأبي سعيد محمد بن خشيش، وأبي طالب بن يوسف، وتفقه على أبي الوفا بن عقيل، وكان شيخ الحنابلة في بغداد، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، والقاشي أبي سعيد المبارك بن علي المخرمي المتوفي سنة خمسمائة وثمانية وعشرون، وأبي الحسن بن القاضي أبي يعلى الفرَّا الحنبلي، وقرأ الأدب وعلم البيان والبلاغة على أبي زكريا يحيى التبريزي المتوفي سنة خمسمائة واثنان هجرية، وأخذ علم التصوف عن أبي محمد جعفر بن أحمد السراج المتوفي سنة خمسمائة وتسعة، وعن الشيخ حماد بن مسلم الدباس المتوفي سنة خمسمائة وخمسة وعشرون من الهجرة، وعن القاضي أبي سعيد المخرمي المخزومي الذي أخذ الطريق عنه وتفقه على يديه وخلفه على مدرسته، كذا في المنتظم لابن الجوزي، والعبر في خبر من عبر وسير أعلام النبلاء للذهبي، والذيل على طبقات الحنابلة لإبن رجب. وقرأ القرآن وعلومه وقراءته وتفسيره على أبي الوفا علي بن عقيل الحنبلي الخطاب محفوظ الكولذاني. ومن شيوخه أيضاً أبو الغنائم محمد بن محمد بن علي الفرسي وعبد الرحمن بن أحمد بن يوسف وأبو البركات هبة الله المبارك وغيرهم. واستمر هذا الدرس والتحصيل هذا برع في الأصول والفروع وأنواع الخلاف وعلوم القرآن والبلاغة والأدب، وأنصب أكثر اهتمامه على دراسة المذهب الحنبلي ثم درس معه المذهب الشافعي ودام هذا الدرس والتحصيل ثلاثاً وثلاثين سنة، ولكنه لم يكن متصلاً بل متقطعاً على حسب الظروف والأحوال رضي الله عنه وأرضاه
سنده في الطريقةقدس الله سره 
سند مولانا الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سرهكما ذكره والدنا الشيخ محمد أحمد الماحي (رضي الله عنه):
أخذ قدس الله سرهالسند، عن الشيخ المبارك المخزومي قدس الله سره، عن الشيخ أبي الحسن القرشي قدس الله سره، عن الشيخ طرطوس المكي قدس الله سره، عن الشيخ عبد الواحد التميـمي قدس الله سره، عن الشيخ أبو بكر الشبلي قدس الله سره، عن الشيخ حبيب الله العجميقدس الله سره، عن الإمام الجنيد ::قدس، عن الشيخ سري السقط قدس الله سره، عن الشيخ معروف الكرخي قدس الله سره، عن الشيخ حسن البصري قدس الله سره، عن السيد علي الرضا قدس الله سره، عن السيد موسى الكاظم عليه السلام، عن السيد جعفر الصادق عليه السلام، عن السيد محمد الباقر عليه السلام، عن السيد زين العابدين عليه السلام، عن الإمام الحسينعليه السلام، عن الإمام علي كرم الله وجهه، عن سيد الأنام خاتم الأنبياء الكرام .
وذكر صاحب كتاب بهجة الأسرار سنداً عن وجه آخر:
أخذ قدس الله سره السند، عن أبي سعيد المبارك المخزومي وهو أخذها عن سيدي أبي الحسن على بن يوسف القرشي الهكاري وهو أخذها عن سيدي أبي الفرج الطرطوسي وهو أخذها عن سيدي أبو بكر الشبلي وهو أخذها عن سيدي أبي القاسم الجنيد البغدادي وهو أخذها عن سيدي السر السقطي وهو أخذها عن سيدي أبي محفوظ معروف الكرخي وهو أخذها عن سيدي داود الطائي وهو أخذها عن سيدي حبيب العجمي وهو أخذها عن سيدي حسن البصري وهو أخذها من سيدي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
جلوسه للإرشاد والتدريس قدس الله سره 
اعلم رحمني الله وإياك أن شيخ الإسلام محي الدين عبد القادر الجيلاني قدس الله سرهلما تحلى بحلل العلوم الشرعية ونال لطائفها وتجمَّـل بتيجان الفنون الدينـية وحاز شرائفها وهجر في مهاجرته إلى الحق كل الخلائق، وتزود في سفره إلى ربه أحسن الآداب وأشرف الحقائق، وعقدت له ألوية الولاية فوق العلا ذوائبها ورفعت له منازل جلي له في سماء القرب كواكبها ونظر إلى رقوم الفتح في زيول الكشف عن الأسرار، وشخص سره إلى شموس المعارف من مطالع الأنوار، ورفعت أسراره إلى مشاهد المجد والكمال ودوام إحضاره في معالم العز والجلال، وشاهد مجاري القدر في تصاريف المشيئات، وأتاه الأمر النقي من تدنيس التلبيس بالجلوس للوعظ، والتصدر للتدريس، وكان أول جلوسه في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، لله در مجلس تجلله الهيبة والبهاء وتحف به الملائكة والأولياء فقام بنص الكتاب والسنة، خطيباً على الأشهاد، ودعا الخلق إلى الله عز و جل، فأسرعوا إلى الإنقياد، يا من داع أجابته أرواح المشتاقين، ومن مناد لبته قلوب العارفين.
وكانت خطبته في مجالس وعظه (الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول عدد خلقه وزنة عرشه ورضاء نفسه ومداد كلماته ومنتهى علمه وجميع ما شاء وخلق وذرأ وبرأ عالم الغيب والشهادة، الرحمان الرحيم، الملك القدوس، العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين ليظهره على الدين كله ولو كره المشركين، اللهم أصلح الإمام والأمة، والراعي والرعية، وألِّف بين قلوبهم في الخيرات، وأدفع شر بعضهم عن بعض، اللهم أنت العالم بسرائرنا فأصلحها، وأنت العالم بذنوبنا فاغفرها، وأنت العالم بعيوبنا فاسترها، وأنت العالم بحواجنا فاقضها، لا ترانا حيث نهيتنا، ولا تفقدنا حيث أمرتنا، ولا تنسنا ذكرك ولا تؤمنا مكرك ولا تحوجنا إلى غيرك ولا تجعلنا من الغافلين، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية، وأشغلنا بك عمن سواك، أقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك، ألهمنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ثم يلتفت عن يمينه (رضي الله عنه) ويقول: لا إله إلا الله، ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم يشير تلقاء وجهه بإصبعه ويقول: لا إله إلا الله، ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم يلتفت عن يساره ويقول هكذا. ثم يقول: لا تبد أخبارنا، لا تهتك أستارنا، لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، لا تحينا في غفلة ولا تأخذنا على غرة، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، ثم يتكلم قدس الله سره.
وكان قدس الله سرهيتكلم في أول مجلسه بأنواع العلوم وكان إذا صعد الكرسي لا يبسط أحداً ولا يتمخط ولا يتنحنح ولا يتكلم ولا يقوم هيبة له، وكان أقصى الناس في مجلسه يسمع صوته كما يسمعه أدناهم على كثرتهم، وكان يتكلم على خواطر أهل المجلس ويوجههم بالكشف.
وكان قدس الله سرهيتكلم في الأسبوع ثلاث مرات بالمدرسة، بكرة الجمعة وعشية الثلاثاء وبكرة الأحد، وكان يحضر مجلسه العلماء والفقها والمشايخ وغيرهم، ومدة كلامه قدس الله سرهعلى الناس أربعون سنة، أولها سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وأخرها سنة إحدى وستين وخمسمائة. ومدة تصدره للتدريس والفتوى بمدرسته ثلاثة وثلاثون سنة أولها سنة ثمانية وعشرون وخمسمائة وأخرها سنة إحدى وستين وخمسمائة، وكان يقرأ في مجلسه مقريان بغير ألحان ولكن قراءة مجوَّدة مرتلة، وكان يقرأ في مجلسه أيضاً الشريف أبو الفتح مسعود بن عمر الهاشمي، وكان يموت في مجلسه الرجلان والثلاثة، وكان يكتب ما يقول في مجلسه أربعمائة محبرة عالم وغيره. 
قال الشريف أبو الفتح الهاشمي المقرئ: استدعاني الشيخ قدس الله سرهللقراءة، فلما قرأت بكى.
قال عبد الله الجاني: قال لي الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي قدس الله سره : أتمنى أن أكون في الصحاري والبراري كما كنت في الأول، ولا أرى الخلق ولا يروني، ثم قال: أراد الله عز و جل مني منفعة الخلق، فإنه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة من اليهود والنصارى، وتاب على يدي أكثر من مائة ألف وهذا خير كثير. 
وكان قدس الله سرهيلبس لباس العلماء، ويركب البغل، وترفع بين يديه الغاشية، ويتكلم على كرسي عالي، وكان في كلامه سرعة وجهر، وله كلمة مسموعة، إذا قال أنصت له، وإذا أمر ابتدر لأمره، وإذا رآه ذو القلب القاسي خشع، وإذا مرَّ إلى الجامع يوم الجمعة وقف الناس في الأسواق يسألون الله تعالى به حوائجهم، وكان ذو هيبة عظيمة إذا نظر إلى أحد يكاد يرعد من هيبته قدس الله سره. نفعنا الله تعالى ببركته.
مؤلفاتهقدس الله سره
الغنية لطالبي طريق الحق
الفتح الرباني
فتـــوح الغيب
حزب بشائر الخيرات
المواهب الرحمانية والفتوحات الربانية
يواقيت الحكم
سر الأسرار في التصوف
مسك الختام في تفسير القرآن الكريم
الرسالة الغوثية
معراج لطيف المعاني
بهجة الأسرار (مجموعة مواعظ للشيخ عبد القادر)
ورد الجلالة للجيلاني
وصايا للشيخ
رسائل الشيخ عبد القادر
ديوان الشيخ عبد القادر
الفيوضات الربانية
وفاته قدس الله سره
توفي السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سرهببغداد، ليلة السبت الثامن من شهر ربيع الآخر سنة خمسامئة وإحدى وستون من الهجرة النبوية، ودفن ليلاً بمدرسته بباب الأزج، وقد كثر الزحام فإنه لم يبقى ببغداد أحداً إلا وجاء وامتلأت الحلبة والشوارع والأسواق والدور فلم يتمكن من دفنه نهاراً وفرغ من تجهـيزه ليلاً وصلى عليه إبنه الشيخ عبد الوهاب، وكان يوماً مشهودا، وقيل أنه لم يمرض في حياته مرضاً شديدا سوى مرض موته الذي دام يوماً وليلة فقط. وقد سأله ابنه الشيخ عبد العزيز عن مرضه فقال له: لا يسألني أحد عن شيء، أنا أتقلب في علم الله عز و جل، إن مرضي لا يعلمه أحد، ولا يعقله أحد، وسأله إبنه الشيخ عبد الجبار، ماذا يؤلمك من جسمك؟ فقال قدس الله سره: جميع أعضائي تؤلمني إلا قلبي فما به ألم، وهو مع الله عز و جل، وكان يقول رحمه الله تعالى: أنا لا أخاف من إي إنسان، أنا لا أخاف من الموت ولا من ملك الموت، وكان يرفع يديه ويردهما وهو يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أتاه الحق وسكرة الموت وجعل يردد: أستعنت بلا إله إلا الله سبحانه وتعالى هو الحي الذي لا يموت، ولا يخشى الموت، سبحان من تعزز بالقدرة وقهر عباده بالموت، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد تعذر عليه التلفظ بكلمة: تعزز، فظل يرددها حتى تلفظ بها، ثم أخذ يردد: الله، الله، الله حتى خفي صوته ولسانه ملتصق بسقف حلقه ثم خرجت روحه الكريمة،قدس الله سره.
وترك وصية وصى بها أولاده هذا نصُّـها:
عليك بتقوى الله عز و جل وطاعته، ولا تخف أحداً سوى الله، ولا ترجوا أحداً سوى الله، وكل الحوائج كلها إلى الله عز و جل، واطلبها جميعها منه، ولا تثـق بأحدٍ سوى الله عز و جل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، وعليك بالتوحيد، التوحيد، التوحيد، فإن جماع الكل التوحيد، ثم قال : مُروا بأخبار الصفات على ما جاءت، الحكم يتغير والعلم لا يتغير، الحكم يُنسخ والعلم لا يُنسخ.
أوصيك يا ولدي بتقوى الله وطاعته، ولزوم الشرع وحفظ حدوده، واعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه مبنيـة على الكتاب والسنة وسهل الصدور وسخاء اليد وبذل الندى وكف الجفا وحمل الأذى والصفح عن عثرات الأخوان.
إنتشار الطريقة القادريةقدس الله سره
إن الطريقة التي أسسها السيد الشيخ عبد القادر الجيلي قدس الله سرهتستند على الكتاب والسنة وعلى هذا الأساس اكتسبت ثوباً قوياً جعلت الناس أن يوصفوها بأنها زبدة الدين الإسلامي الحنيف وخلاصته وقد نالت هذه الطريقة رغبة لما عُرفت بالصلاح والزهد ولم يدخلها الغلو. وقد انتشرت في جميـع البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.
وانتقلت هذه الطريقة إلى إسبانيا وإلى غرناطة، وانتقل مركز الطريقة القادرية إلى المغرب إلى فاس، وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من البربر وتمسـكوا بالسنة والجماعة، واهتدى زنوج إفريقيا على يد مشايخ هذه الطريقة العلية.
إن شيوخ السجادة القادرية يعطوا لكل مريد ينتسب إلى الطريقة شجرة النسب، والإجازة بالأوراد، ليكون السند متصلاً.
وتأسست أول زاوية قادرية خاج العراق في فاس المغرب وأسسها السيد إبراهيم بن السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره.
وانتشرت في آسيا الزوايا القادرية وكانت تسمى ( قادري خانة ).
وانتشرت في الحجاز الزوايا القادرية بفضل الله تبارك وتعالى حتى وصلت إلى ثلاثمائة وواحد وثمانون زاوية في مكة المكرمة، سنة ستمائة وواحد وستون للهجرة.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الشكينيبة الشرافه والتاريخ

تقع مدينة الشكينيبة في السودان في الجزء الجنوبي الشرقي لمدينة المناقل على بعد تسع كيلو ترات منها . و لم تشتهر إلا بعد مجيء الشيخ عبد الباقي المكاشفي إليها في عام 1910م. تبلغ مساحتها حوالي 60.000 متر مربع ، و يقدر عدد سكانها حوالي 5.000 نسمة. و يعتمد أهالي المنطقة على الزراعة والرعي وعلى تجارة حول مسيد الشيخ المكاشفي.تعددت الأقوال في أصل الاسم فقيل اسم الشكينيبة من نشكو نوائبنا إلى الله - من قول الشيخ المكاشفي- وقيل من الشكنابه وهي قرعة اللبن عند أهل المنطقة. حط الشيخ المكاشفي رحاله بها وعمرها و حفر البئر وبنى المنازل. وفي هذه البقعة المباركة بنى مسجده وبنى حوله الخلاوى و أشعل نار القرآن و أوقد نار النفقة وشيد دور العلم وحفر الحفير، فأصبحت الشكينيبة مركز القاصدين ومورد الطالبين، و اجتمع فيها أعداد كثيرة من الأجناس المختلفة. فإذا جئت إليها واقتربت منها ترى الناس ينحدرون إليها من كل الجهات ما بين راجلين وراكبين على أشكال عديدة وقد امتلأت منهم مساحات كبيرة وإذا دخلت البلدة وجدت الخلاوي مزينة بطلاب القرآن و العلوم الشرعية ووجدت حلقات الذكر تعج بالذاكرين ووجدت دور الضيافة قد ملئت بأهل المقاصد المختلفة. و تعد الشكينيبة من أكبر الصروح الدينية والمعالم التاريخية التي ساهمت ومازالت تساهم في دفع حركة التعليم والإرشاد الديني في البلاد وقد ارتبط اسمها في أذهان جميع الناس باسم الشيخ عبد الباقي المكاشفي" رضي الله عنه " وما إن يذكر أسم الشكينيبة إلا ويذكر علاج الأمراض النفسية والعصبية والعقلية والروحية وغيرها من الأمراض المستعصية فقد جعل الله فيها سراً عظيماً ألا وهو الشيخ عبد الباقي المكاشفي و خلفاؤه الوارثون علومه. خلاوي القرآن: والحمد لله الذي أوقد نار تعليم القرآن بالشكينيبة وجعلها أرض مباركة طيبة وجعلها أرض ذكر ، و الشكر بعد الله للشيخ عبد الباقي المكاشفي الذي بنى الخلاوي وقام على أمرها والذي علم الناس كتاب الله وأرشدهم إلى سبيل الخير و الصلاح و جاء بالعلماء و الحفظة وكفل أمرهم . والحمد لله ثانياً إذ أنها مازالت إلى اليوم بفضل أبناء الشيخ وأحفاده الوارثين علومه قبلة الطلاب إذ يرسل الناس أبناءهم إليها ليحفظوا و يتعلموا كتاب الله تعالى. وليس هذا فحسب بل يزيد المشايخ على هذا كفالة اليتامى والمساكين وإرسالهم إلى المدارس والجامعات ليكملوا مسيرة تعليمهم. و خلاوي الشكينيبة واحدة من المعالم البارزة التي توحي إلى خصوصية البلدة ،ولقد تخرج منها رجال ومشايخ كثيرون ، وعند الحديث عن خلاوي الشكينيبة لابد من الإشارة إلى الخلاوي الأخرى التي قامت في مسائد و زاويا السادة المكاشفية و سارت على ذات الطريق. ألا جزاء الله الشيخ عبد الباقي المكاشفي وأبناءه وكل المشائخ القائمين على أمر الخلاوي و تحفيظ كتاب الله خير الجزاء الليالي و حلقات الذكر: عند الكلام عن الشكينيبة لابد من الكلام عن إحياء الليالي وإقامة حلقات الذكر كإحياء ليلتي الجمعة والاثنين من كل أسبوع في الشكينيبة وفي مسائد المكاشفية الأخرى. و في الشكينيبة خاصة تقام الاحتفالات الدينية الكبيرة التي يأتي إليها جميع أحباب ومريدي الشيخ من شتى أنحاء البلاد كعيدي الفطر والأضحية المباركين وليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب وتسمى " الرجبية" وهي من أكبر المناسبات بالمسيد و كذا الاحتفالات بمولد سيد البشرية" عليه أفضل الصلوات و أزكى التسليم " والاحتفال بليلة عاشوراء وليلة من النصف من شهر شعبان وكذا الحوليات وغيرها من المناسبات. و الذكر العام عند السادة المكاشفية ذكر جماعي بالاسم المفرد اسم الجلالة " الله الله " في شكل حلقة دائرية يتوسطها الرواة " الشعار" حاملي الدفوف " الطارات " يمدحون المدائح النبوية التي تحمل في طياتها صفات الرسول الكريم " صلى الله عليه وسلم" وتبين فضله و مكانته عظم رسالته التي حث الناس بالتمسك بآدابها وهديها، وهنالك أيضاً القصائد التوحيدية والقصائد القومية التي تروي قصص الأولياء و الصالحين الذاكرين المخلصين الذين جدوا في السير إلى مولاهم. ويقود الذكر شيخ ومن حوله المريدين والمحبين في شكل دائري ويسمون بـ " الاوتاد" لا يتعالى بعضهم على بعض ولو بأطراف الرؤوس كما جاء في نصائح الشيخ " رضي الله عنه " يترنحون شجناً ومحبة بالله الواحد الأحد العظيم ويتمايلون وجداً تمايلاً مصحوبا بالذكر " الله الله " أهزوجة روحانية تبعاً لإيقاعات النوبة والدفوف والكاسات ، تارة بإيقاع خفيف بضربات سريعة متلاحقة وتسمى " الحربية" أو " الخفيفة " وتارة بإيقاع ثقيل ضربة إثر ضربة وتسمى بالثقيل أو " الثقيلة" وهناك إيقاع آخر لا هو بالثقيل ولا هو بالخفيف ويسمى " بالشامية" أو المتلوتا." وبالذكر ومدح المصطفى ومدح أهل الله والإبحار فيهم تسمو أرواح الذكرين وتعلو حتى ترى من بعضهم حالا لا يدركه عامة الناس الحفير : و عند الكلام عن الشكينيبة و عن الشيخ عبد الباقي المكاشفي لابد من الكلام عن الحفير المباركة التي تقع شرق المسيد والتي قام بحفرها الشيخ ومريدوه ما بين عامي 1927 –1928م وتبلغ مساحتها مايقارب خمسة أفدنة تقريبا. تعتمد هذه الحفير المباركة على مياه الأمطار التي تصب وتتجمع فيها في فصل الخريف ، و تظل المياه بها في الغالب طوال أشهر السنة ومن ثم تتجدد في موسم الخريف ، ومن حكمة الله أن مياهها تظل خالية من كل التغيرات و من نواقل الأمراض وقد أكد ذلك بعثة معمل " إستاك" بالخرطوم وبعثة كلية الطب بجامعة الجزيرة الذين زاروها وفحصوا ماءها واكتشفوا أنها من أصح المياه الطبيعية . وهي تلعب دورا مهما في تخفيف عبء معاناة المياه في المنطقة وتشكل هذه الحفير معلما بارزا لكل الناس وهي إرث تاريخي تليد خلفه الشيخ أجراً وصدقةً جاريةً ، وفيها بركة وخير للناس ومنها طينة الحفير التي يتداوى بها الناس وهي إحدى كرامات الشيخ المكاشفي. و لا يقصد أحدا الشكينيبة إلا وكانت زيارة الحفير إحدى اهتماماته فهي مثار عجب ودهشة ، ولقد شهدنا فيها الكثير من العجائب و الغرائب. ومن المعالم والمنارات الواضحة في الشكينيبه القباب حيث أن بها ضريح الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه ذاك الصرح الذي حوى الفخار و الأسرار و المعاني. وإلى جانبها تجد قبة الشيخ عبد الله وقبة الشيخ الطيب و قبة الشيخ الجيلي رضي الله عنهم وهي منارات يردها الزوار وينهلون من خيراتها ويشهدون أسرارها وهي توحي على صوفية البلدة و صلاح أهلها.


من أنا

السودان, الشكينيبه, Sudan
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي صل عليه الله ُ في الايات ِ وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات(والله وبالله وتالله لا يجتمع حب إله وحب ذاك درهم في قلب ذي اسراري إن الدراهم مكتوب عليها أذا أحببت درهما أبغضك الجباري لاتنكرن لقولي في كتابتها تالله لايعرفها الا ذا أفكاري(الشيخ عبدالباقى المكاشفى)