الطريقة المحاسبية
ويبالغ أتباع هذه الطريقة كثيراً في محاسبة أنفسهم ، وما سمي المحاسبي بهذا الاسم إلا لإفراطه في محاسبة نفسه ومعاقبتها . ومن اسم المحاسبي وأفعاله وما اقتبسه منه مريدوه من محاسبة أنفسهم والمبالغة في ذلك اقتبست الطريقة اسمها .
ويقول العطار في كتابه تذكرة الأولياء : ( إن لأرباب المحاسبة عدة خصال تعلموها في الحديث ، فلما قاموا بلغوا المنازل الشريفة بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ، وكل الأمور تتهيأ بقوة العزم ، وقهر الهوى والنفس ، فإن من كان ذا إرادة قوية يسهل عليه مخالفة هوى النفس ) .
ويعدد العطار خصال اتباع هذه الطريقة :
1 – لا يقسمون بالله صدقاً ولا كذباً ، ولا سهواً ولا عمداً .
2 – يتجنبون الكذب .
3 – لا يخلفون الوعد .
4 – لا يعدون بشيء لا يقدرون عليه .
5 – لا يلعنون أحداً ولو كان ظالماً .
6 – لا يدعون على أحد بالقول ولا بالعمل .
7 – لا يطلبون الانتقام .
8 – لا يشهدون على أحد بالكفر ولا بالشرك ولا بالنفاق ، لأن ذلك أقرب إلى الرحمة على الخلق ، وأكثر بعداً عن مقت الله تعالى .
9 – لا يلقون حملهم على أحد .
10 – يقطعون الطمع عن الخلق ويقنطون مما لديهم .
11 – يبالغون في محاسبة أنفسهم وحرمانها من الطعام والشراب والنوم .
ترجمة مؤسس الطريقة :
هو الحارث بن أسد المحاسبي ، وكنيته أبو عبد الله من علماء ومشايخ البصرة سكن بغداد وقد عاصر الإمام أحمد بن حنبل ، توفي عام 243 هجرية في بغداد ويعتبر المحاسبي من قدماء كتاب الصوفية . أسند المحاسبي الحديث ، ومن أهم الأحاديث التي أسندها قوله :


فلسفة المحاسبي :
إن من أهم مرتكزات فلسفة المحاسبي ، وبالتالي المحاسبية ، محاسبة النفس ، وكبح جماح هواها ، ومعاقبتها على شهواتها ، حتى ترتاض وتثوب إلى رشدها ولا تعود تطلب ما تشتهيه .
لكن المحاسبة تأخذ بعداً أوسخ وأفقاً أرحب في هذا الفكر ، حيث يقول المحاسبي : ( المحاسبة والموازنة في أربعة مواطن : فيما بين الإيمان والكفر وفيما بين الصدق والكذب ، وبين التوحيد والشرك ، وبين الإخلاص والرياء ) .
ولا يتوقف الأمر عند محاسبة النفس ، بل يتجاوز ذلك إلى الدعوة إلى الزهد ونبذ مباهج الدنيا والاجتهاد في الباطن ، حيث يقول المحاسبي : ( من اجتهد في باطنه ورثه الله حسن معاملة ظاهره ، ومن حسن معاملته في ظاهره مع جهد باطنه ، ورّثه الله تعالى الهداية لقوله :


وتدعو المحاسبية إلى تعلم أنواع العلوم وإتقانها لقول المحاسبي :( العلم يورث المخافة ، والزهد يورث الراحة ، والمعرفة تورث الإنابة ) .
ويرى المحاسبي في مقام التوكل مقاماً هاماً ، ويدعو إليه حيث يقول : ( صفة العبودية ألا ترى لنفسك ملكاً وتعلم أنك لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً ، ويقول أيضاً : ( التسليم هو الثبوت عند نزول البلاء من غير تغير منه في الظاهر والباطن ) .
وفيما يتعلق بأحوال ومقامات الصوفية يقول المحاسبي : ( حسن الخلق احتمال الأذى ، وقلة الغضب ، وبسط الوجه ، وطيب الكلام ) . ويقول أيضاً : ( لكل شيء جوهر ، وجوهر الإنسان العقل ، وجوهر العقل الصبر ) . ويقول كذلك : ( العمل بحركات القلوب في مطالعات الغيوب أشرف من العمل بحركات الجوارح ) . ويقول أيضاً في الحث على أداء حقوق الله سبحانه من عبادة وذكر : ( إذا أنت لم تسمع نداء الله فكيف تجيب داعي الله ؟ ومن استغنى بشيء دون الله جهل قدر الله ) . ويقول : ( الظالم نادم وإن مدحه الناس ، والمظلوم سالم وإن ذمه الناس ، والقانع غني ، وإن جاع ، والحريص فقير وإن ملك ) . ويقول كذلك : ( من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره بالمجاهدة وإتباع السنة ) .
وقد لقي المحاسبي هجوماً كبيراً من عدد من معاصريه من مشايخ الفقه الإسلامي ، فقد تكلم أبو الفرج بن الجوزي في كتابه ( تلبيس إبليس ) عن مصنفاته وقال : إنه ذكر أحدهم عند الإمام أحمد بن حنبل عن آراء وأقوال المحاسبي ، فقال الإمام أحمد : ( لا أرى من صالحك أن تجالس المحاسبي ) ويعد ابن الجوزي كتبه من كتب البدع والضلال .
ومن أهم كتب ومصنفات المحاسبي هو كتاب ( الرعاية لحقوق الله ) وقد طبع سنة 1940 ، باهتمام مارغريت سميث في لندن ، ضمن منشورات أوفان جيب وهو العدد الخامس عشرة من سلسلة تلك المنشورات . وللوقوف على سائر مؤلفات الحارث المحاسبي ارجع إلى المقال الذي نشره المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون في دائرة المعارف الإسلامية .
ــــــــــــــــــــ
المصدر :
(1) - ممدوح الزوبي – الطرق الصوفية ظروف النشأة وطبيعة الدور – ص 79 – 81 .